مرحباً بصديقي القديم
كان مشهداً أقل ما نقول علية لو كنا نراه أنة مشهداً في إحدى مستشفيات المجانين .. ( يوسف ) يجلس وعلى وجهه علامات الذهول وينظر للرجل الذي يجلس أمامه لا يعرف ماذا يفعل ...
كان الرجل مازال ينظر إلى ( يوسف ) مبتسماً وكأنة يطمئنه بتلك الابتسامة الودود .. فلما طالت النظرات بين الطرفين قال الرجل الجالس :
- << يبدوا أنك مندهش من مظهري يا ( يوسف ) ... لا تندهش فقد اخترت أن أظهر لك بمظهر رجل وسيم كي لا تفزع من شكلي الحقيقي .. فأنا لا أريد إفزاعك يا صديقي فكما قلت أن لك معزة خاصة عندي .. >>
- << ماذا يحدث ..!!! أنا لا أفهم شيء ؟؟؟ >>
- << أعذرني يا صديقي فلو كنت في نفس مكانك لفعلت مثلما فعلت أنت ... لذلك سأفسر لك الحكاية منذ البداية , قم معي >>
بعد أن انتهى ( المخلبي ) من جملته وقف فارداً قامته ومنتظراً ( يوسف ) أن ينهض مثله ..
كان ( يوسف ) كالمنوم مغناطيسياً لا يملك معظم إرادته فلم يفعل شيئاً سوى أن ينهض وهو مذهول ناظراً إلى ( المخلبي ) الذي تأبط ذراعه وكأنة صديق قديم .. ثم بدأ يمشي هو و ( يوسف ) ليخرجوا من دائرة الضوء
وهنا اختفت الشقة ولم يعد يراها ( يوسف ) وظهر أمام عين ( يوسف ) مشهداً غريباً
حرب طاحنة تدور بين جيشين عظيمين ويبدواً أن أحد الجيشين كان منظماً من حيث تقسيمة .. كان أشكال الجنود في الجيشين تثير الرعب في القلب لا يمكن وصف أشكالهم ..
قال ( المخلبي ) وهو مازال يتأبط ذراع ( يوسف ) :
- << أنا المخلبي بن ذاعات , منذ مئات السنين كنت قائداًَ قوياً لجيوش ممالك الجن .. وكانت الانتصارات تتوالى على يدي ومن خلال إخلاص جيشي لي فقد كانوا يحبونني ويحترمونني بشدة .. وبدون أن يعلم باقي القواد كنت أتدخل في عالمكم وكان البشر يستعينون بي في حياتهم لينالوا عطفي وإحساني ... >>
تغير المشهد هنا ليظهر أربعة من الشباب يرتدون ملابس بالية قديمة لا تمت لعصرنا بصلة يجلسون ملتفين حول شمعة ويقولون كلمات بصوت غير مسموع ... وبعيداً عنهم بعض الشيء جلس شاب أكحل العينين نحيل الجسد أسمر البشرة .. وكانت نظراته تمتلئ بالخبث والمكر ..
كان هؤلاء الشباب يرددون كلام بلغة غريبة ولكنة أول مرة يسمع فيها تلك المقاطع ..!!!
فقال ( المخلبي ) :
- << هؤلاء هم من قرأت عنهم في الورق الذي امتلكته ... هذا الذي يجلس بعيداً عنهم هو فتى يدعى ( الحي بن القصاب ) وقد أراد أن يمتلك خدام من الجن يسخرهم ويفعل بهم ما يشاء .. فأعطاه أحد خدامي كلمات وأعطاه طلبات لو حققها لأهديت له خداماً من الجن تكون تحت إمرته ...لقد طلبت منة أن يقدم لي أربعة قرابين بشرية يقرءون كلمات تعني بأنهم سيضحون بنفسهم بأرواحهم من أجلي أنا ... فاخذ هذا الساحر هؤلاء الأربعة وأقنعهم أنهم سيصيرون أغنياء بعد أن يقرءوا تلك الكلمات ... وبالفعل قرءوا الكلمات وتم الاتفاق وأهديت ( الحي بن القصاب ) 100 من أنفار الجن ليخدموه حتى يموت .... أما الأربعة الباقيين فقد بدأت في قتلهم واحداً واحداً ماعدا أخر شخص ... >>
هنا تغير المشهد الذي يراه ( يوسف ) ليصير في بيت غريب الشكل ويجلس فيه أحد هؤلاء الشباب الأربعة وهو مغمض العينين ويتكلم مع شخص مرعب الهيئة ...
أكمل ( المخلبي ) قائلاً :
<< كان الأخير هو ( إسماعيل بن عبد الله ) وكنيته ( إسماعيل الحلاج ) .. هذا الشاب فهم ماذا يحدث فبدأ بترديد أسمي كثيرا وقد حفظة من الكلمات التي علمها له الساحر , أخذ يردد أسمي ليلاً حتى بعثت له أحد خدامي ليحدثه ويفهم ماذا يريد منه .. فقال أنة يريد الأمان وأن يعيش بسلام ..فبلغة خادمي أنة معد كقربان لي أنا .. فقال أنة يريد أن يقدم لي قربان أعظم ....
فعقد معي اتفاقا .... أن أتركة يعيش بأمان وأعطية خداماً من عندي .. مقابل أن يقدم لي قربان كبير .. سيقدم لي أهل قريته كلهم قرباناً .. >>
عند تلك الكلمة شهق ( يوسف ) واتسعت عيناه وقد بدأ يشعر بالأهوال التي حدثت في ذلك الزمان , فأكمل ( المخلبي ) :
- << خرج ( إسماعيل ) لبلدته وقال أنة رأى رؤية أن القرية بها مرض غريب كالذي مات به الثلاثة السابقين ..وأن النجاة من ذلك المرض تكون بأن يقول الرجل كلمات معينة تنجيه بعمرة ... فقالت معظم القرية الكلمات التي علمتها لإسماعيل ... ثم هرب ( إسماعيل ) وترك القرية لي فمن قال منهم الكلمات أخذته كقربان وقتلته , ومن لم يقل هرب من القرية من هول ما رأى >>
- << هل ( إسماعيل ) هذا سفاح أم ماذا >>
كانت تلك العبارة من ( يوسف ) وهو مشمئز من ما يرويه له ( المخلبي ) عن ( إسماعيل ) , فتغيرت الصور أمام ( يوسف ) ليرى ( إسماعيل ) وهو يتمشى في الصحراء ويحمل على ظهره أشياء غريبة ..!!!
نظر ( المخلبي ) ليوسف بغضب وهو يقول :
- << تحدث بإحترام يا فتى , يبدوا أن والديك لم يربوك جيداً .. كيف تتكلم عن جدك الأكبر بهذه الطريقة .. >>
* * *
- << جدي أنا ؟؟؟؟؟ >>
ضحك ( المخلبي ) طويلاً حتى قال :
- << جدك ( إسماعيل ) عقد معي اتفاق وهو أن أمنحة الخدام والقوة وهو يمنحني القرابين البشرية .. ولكن هناك بند في الاتفاق نسيت أن أذكره لك ...
حفيد ( إسماعيل ) الخامس علية بأن يتجدد الاتفاق معه مرة أخرى , أي يعطيني قرباناً بشرياً وأعطية أنا القوة ... وأنت الحفيد الخامس لإسماعيل يا بني >>
شهق ( يوسف ) هذه المرة وهو يرتجف من تلك الكلمات ... ماذا يحدث بالضبط ... عفاريت واتفاقات مع الجن وأجداد سحرة ... رباه ماذا يحدث لي ..؟؟؟؟
ظهر أما ( يوسف ) فجأة مشهد غريب
منزل مزخرف ومليء بالوسائد الملونة وتنتشر في سقفه قناديل عديدة الألوان تضيء بلون خلاب ... وعلى الأرض يجلس رجل عجوز وهو يصلي ويسجد لله ...
قال ( المخلبي ) :
- << ولكن في أخر سنوات من حياه جدك أحس بأنة أخطأ باتفاقه معي فأخذ يصلي ويحج ويعتمر ويتضرع إلى الله تائباً .. ولم يكتفي بذلك بل فعل ما هو أشد ...
لقد زادت قوة جدك بخدامة الذين أعطيتهم له ... فبلغ خدامة أن يأخذوه إلى داخل عالم الجن المسلم ... وهناك أفشى الاتفاق الذي كان بيني وبينة وأفشى أنني من قتلت القرية كلها وأعطيته خداماً ليخدموه .. وكنت أنا أحد أكبر قواد جيوش عشائر الجن وتحت إمرتي جحافل من جنود الجن يطيعونني طاعة عمياء ..
فتم الحكم علي من مجموع القبائل بالسجن بقية حياتي , والحكم على الجنود الذين ساعدوني في أعمالي بالتفرقة في الجبال والوديان وعدم معرفة المكان الذي سجنت فيه ..
تباً لهم .. لقد أرسلوا القائد ( يصفيدش ) خصيصاً ليقوم بهذه المهمة ويقوم بإصطيادي وتفرقة جنودي ..>>
ثم ابتسم بخبث وقال :
- << ولكن أنت لا تعرف ... لي ثلاثة حراس شخصيين من أخلص رجالي عملوا على معرفة الكلمات التي سجنت بها والتي طالما كانت منقوشة على قيودي لا أستطيع التحرك .. وعرفوا كيفية فكها وتحريري ... وكانت المفاجأة أنني أحتاج لبشر يردد تلك الكلمات لأنه لو رددها أحد أتباعي من أنفار الجن فسيعلم قواد الجن مكانة ويحرقونه .. أما لو رددها بشر فلن يعرف قواد الممالك بتردديها
فتشكل أحد حراسي الثلاثة على هيئة لحاد البلدة التي دمرتها وظهر ( لأحمد بن إسحاق ) وأعطاه الورق المكتوب به كلمات فك قيدي واجتماع رجالي .. ولكن ( بن إسحاق ) لم يردد الكلمات ولم يفهم وحرق العلماء كتابة الذي دون به الكلمات ... فتشكل حارسي الثاني على هيئة تلميذ ( بن إسحاق ) والمدعو ( عبد الرحمن بن إبراهيم ) وكتب الكلمات والحكاية مرة أخرى كي يقرأها شخص .. كتب حكاية الساحر والأربعة والبلدة ولكنة غير الكلمات التي قالها الساحر والأربعة وجعلها الكلمات التي تفك قيدي وتحرر جيوشي مرة أخرى ...
وبعد سنون طويلة وبعد ولادتك قرر حراسي أنك الحفيد الخامس لإسماعيل وأنك يجب أن تردد تلك الكلمات بأي ثمن حتى تعيديني مرة أخرى ... فظلوا يتتبعونك سنوات طويلة يمشون وراءك كظلك ويقومون بالتشكل لك في أيام كثيرة ... ولكنك كنت تتجاهلهم ..
حتى تشكل لك حارسي الثالث في صورة رجل عجوز وأوهمك بوجود كشك لبيع الكتب وجعل الورق أمامك حتى تأخذه وقد كان .. أما أحد أصدقائي من قواد الجن فقد أرسل لي بهدية لكي يساعد في عودتي .. فقد أرسل أحد أتباعه وهو الغوال ليتشكل لكم في شكل صديقك ( حامد ) ليستفزكم لتقراءوا الكلمات وتعيدونني يا صديقي مرة أخرى من سجني >>
هل نقول أن ( يوسف ) قد جن ... ربما لا نبالغ لو قلنا أنة قد فقد إدراكه أو إحساسه بالزمن .. لم يملك إلا أن قال بصوت خفيض كأنة يحدث نفسه :
- << لقد رأيت حلماً شاهده كل أصدقائي .. ما تفسيرة ؟ >>
- << أة أنت تتحدث عن حلم القربان , كل من يعد كقربان يشاهد هذا الحلم .. ومن يشاهد هذا الحلم يعلم أنه سيكون قرباناً عاجلاً أم أجلاً >>
- << إذن أنا قربان ... ؟ >>
- << أنت من تحضر القرابين ولكنك شاهدت الحلم لغرض في نفسي أنا >>
هنا قال ( يوسف ) وعيناه زأغتان :
- << أصدقائي .. ماذا فعلت بأصدقائي ؟ >>
- << هل هذا سؤال يا بني ... قتلتهم بالطبع فهم القربان البشري لرجوعي وقد قدمتهم لي كما اتفقنا أنا وجدك منذ مئات السنين >>
بدأت الدموع تذرف من عيني ( يوسف ) وهو ينظر للأرض ويستعيد أحداث تلك القصة مرة أخرى ..
* * *